صفحة المقال

التعامل مع ضحايا الحروب: كيف نساعدهم على التعافي واستعادة الحياة

التعامل مع ضحايا الحروب: كيف نساعدهم على التعافي واستعادة الحياة

المقدمة
تتسبب الحروب في آثار نفسية عميقة يصعب محوها لدى الأفراد الذين عاشوا تجارب مريرة، حيث تتركهم في حالة من الصدمة النفسية التي تستمر لفترات طويلة. قد تشمل هذه الآثار مشاعر من الخوف، الحزن، واليأس، وأحيانًا تؤدي إلى اضطرابات نفسية تؤثر على نوعية حياتهم وقدرتهم على التكيف مع المجتمع مجددًا. لهذا، فإن التعامل مع ضحايا الحروب يتطلب خطة شاملة تهدف إلى إعادة تأهيلهم نفسيًا، وتقديم الدعم اللازم لهم بشكل يسهم في تحسين حالتهم النفسية ويساعدهم على استعادة توازنهم الداخلي.

1. فهم طبيعة الصدمة النفسية وتأثيرها على الضحايا
ضحايا الحروب معرضون بشكل خاص للإصابة باضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو اضطراب ناتج عن تجارب صادمة قد تستمر في التأثير على حياة الأفراد لسنوات بعد انتهاء الحرب. يشعر المصابون بهذا الاضطراب بعودة الذكريات المؤلمة بشكل مستمر، ويصاحب ذلك شعور بالخوف الشديد واضطرابات في النوم. يتطلب فهم هذه الصدمة تقدير عمق التجارب التي مروا بها، وتجنب الحكم عليهم. يوفر هذا الفهم الأساس لبناء الثقة مع الضحايا، ويسهم في تعزيز تعافيهم التدريجي عن طريق تقديم بيئة آمنة ومستقرة. American Psychological Association, 2022.

2. تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لبناء الثقة
إن تقديم الدعم الاجتماعي يلعب دورًا محوريًا في تحسين الصحة النفسية للناجين. يمكن لهذا الدعم أن يأتي من الأصدقاء، العائلة، أو حتى من خلال مجموعات الدعم التي تجمع الأفراد الذين خاضوا تجارب مماثلة. يعد الدعم الاجتماعي وسيلة قوية لتأكيد أن الضحايا ليسوا وحدهم، وأن هناك أفرادًا يهتمون لأمرهم ويقدرون تجاربهم. كما يساعد هذا الدعم في إعادة بناء الثقة مع المجتمع، مما يعزز الشعور بالأمان والاستقرار لدى الضحايا. World Health Organization, 2023.

3. توفير برامج العلاج النفسي المتخصص
يعتمد تعافي ضحايا الحروب على تقديم العلاج النفسي المتخصص الذي يلبي احتياجاتهم الفردية. العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من بين العلاجات الفعالة، إذ يساعد الأفراد على إعادة بناء أفكارهم بشكل يساهم في التغلب على الصدمات. كذلك، يُعد العلاج بالتعرض التدريجي (Exposure Therapy) فعالًا في مساعدة الأفراد على مواجهة مخاوفهم تدريجيًا، مما يمنحهم القوة للتغلب على الذكريات المؤلمة بطريقة آمنة. يعد هذا العلاج أساسًا لإعادة الضحايا إلى حياة مستقرة بعيدًا عن الذكريات المؤلمة. National Institute of Mental Health, 2021.

4. تعليم الناجين تقنيات الاسترخاء واليقظة الذهنية
التعامل مع مشاعر القلق والتوتر الشديدين الذين يعاني منهم ضحايا الحروب قد يتم عن طريق تعليمهم تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق أو تقنيات اليقظة الذهنية (Mindfulness). هذه التقنيات تساعدهم على التحكم في أفكارهم وتهدئة أجهزتهم العصبية، وبالتالي التقليل من التوتر. يمكن أن تشمل هذه الممارسات التأمل، المشي في الطبيعة، أو حتى ممارسة اليوغا. تعليم الناجين هذه التقنيات يعزز من شعورهم بالراحة والاسترخاء. Harvard Health Publishing, 2022.

5. تمكين الناجين من اتخاذ القرارات الشخصية واستعادة السيطرة
يشعر الناجون من الحروب غالبًا بفقدان السيطرة على حياتهم، حيث يصبح لديهم شعور بالعجز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات. يُعتبر تمكين الناجين من اتخاذ قراراتهم الخاصة أمرًا هامًا لدعم استقلاليتهم وإعادة بناء ثقتهم بأنفسهم. على سبيل المثال، يمكن للمجتمع والمنظمات الداعمة تشجيعهم على اتخاذ قرارات تتعلق بحياتهم اليومية، مثل اختيار مسارهم التعليمي أو الوظيفي. يساعد ذلك في إعادة الإحساس بالسيطرة على حياتهم ومنحهم الفرصة للاندماج مجددًا في المجتمع.American Psychological Association, 2022.

6. بناء مهارات التواصل الصحي ومهارات حل المشكلات
كثيرًا ما يعاني ضحايا الحروب من صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو حتى في التعامل مع الآخرين بسبب تجاربهم السابقة. لتسهيل اندماجهم الاجتماعي، يُفضل توفير تدريبات على مهارات التواصل وحل المشكلات. هذه التدريبات تساعدهم على التفاعل مع الآخرين بشكل صحي وبناء، مما يحسن من قدرتهم على التواصل والتكيف مع المجتمع المحيط. كما أن تطوير هذه المهارات يمكن أن يساعدهم في تجاوز التحديات اليومية بطرق إيجابية وبناءة. World Bank, 2023.

7. تعزيز الروابط الاجتماعية والمجتمعية
من الضروري تشجيع الناجين على بناء علاقات جديدة وداعمة في المجتمع، حيث تسهم هذه الروابط في إعادة بناء ثقتهم بالناس. يمكن أن يتم ذلك من خلال إشراكهم في الأنشطة الاجتماعية، مثل الأنشطة الثقافية أو الرياضية، أو حتى الورش التدريبية المهنية. يساعد هذا الدعم المجتمعي في شعور الضحايا بالاندماج والانتماء إلى مجتمع يهتم بهم، مما يساهم بشكل مباشر في تحسين حالتهم النفسية واستعادة توازنهم الداخلي. Centers for Disease Control and Prevention, 2023.

8. تقديم الرعاية والدعم طويل الأمد
التعافي من آثار الحروب لا يحدث بسرعة، وقد يحتاج الأفراد إلى رعاية ودعم طويل الأمد. يجب أن يكون الدعم المقدم مستدامًا ومتنوعًا ليشمل جميع جوانب حياة الضحايا. هذا يشمل العلاج النفسي المستمر، الدعم الاجتماعي، والتعليم، وتأمين فرص العمل، بهدف تحقيق التعافي الكامل. الدعم المستمر يمنح الأفراد الوقت اللازم للتعافي والتكيف مع حياتهم الجديدة بطريقة صحية. Mayo Clinic, 2021.

9. تقديم برامج إعادة التأهيل المهني والتعليم
قد يعاني العديد من ضحايا الحروب من صعوبات في إعادة بناء حياتهم العملية نتيجة فقدان مهاراتهم أو حتى وظائفهم بسبب الحرب. لهذا، يُعتبر توفير برامج إعادة التأهيل المهني والتعليم أحد الوسائل المهمة لمساعدتهم على تحسين جودة حياتهم والعودة إلى سوق العمل. يُمكن لهذه البرامج أن تتضمن دورات تدريبية ومهنية تساعد الضحايا على اكتساب مهارات جديدة تُمكنهم من الاستقلال المالي والشعور بالإنجاز. World Health Organization, 2023.

10. تعليم المجتمع كيفية التعامل مع ضحايا الحروب بتعاطف
جزء كبير من رحلة تعافي الضحايا يعتمد على كيفية تعامل المجتمع معهم. من المهم تثقيف الناس حول كيفية فهم ومساعدة ضحايا الحروب بدلاً من توجيه النقد أو الحكم عليهم. يمكن تنظيم برامج توعوية للمجتمع حول كيفية تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الضحايا. هذا الدعم يجعل الضحايا يشعرون بأنهم ليسوا عبئًا بل جزءًا مهمًا من المجتمع، مما يسهم في تعزيز احترامهم لذاتهم وتحسين صحتهم النفسية.UN Refugee Agency, 2023.

الخاتمة
تعاملنا مع ضحايا الحروب من الناحية النفسية يتطلب وعيًا عميقًا واهتمامًا مستمرًا بسلامتهم النفسية والجسدية. توفر الرعاية النفسية والاجتماعية المتكاملة أسسًا قوية لتعافي هؤلاء الأفراد واستعادة توازنهم الداخلي بعد تجربة الحرب. كل فرد يلعب دورًا في تقديم هذا الدعم؛ من خلال الاستماع، والفهم، وإظهار التعاطف، نستطيع أن نمنحهم الأمل ونساعدهم على بناء حياة جديدة متوازنة. إن تقديم الدعم النفسي المتواصل والدائم هو مفتاح للشفاء وإعادة تأهيل هؤلاء الضحايا ليصبحوا جزءًا قويًا وفاعلًا في المجتمع.

المراجع

  • American Psychological Association. (2022). Supporting War Survivors: Understanding Trauma and Resilience. Retrieved from https://www.apa.org
  • Centers for Disease Control and Prevention. (2023). Social Support for Trauma Survivors. Retrieved from https://www.cdc.gov
  • Harvard Health Publishing. (2022). Relaxation Techniques for Anxiety Relief. Retrieved from https://www.health.harvard.edu
  • Mayo Clinic. (2021). The Role of Exercise in Reducing Anxiety and Depression. Retrieved from https://www.mayoclinic.org
  • National Institute of Mental Health. (2021). Cognitive Behavioral Therapy for PTSD. Retrieved from https://www.nimh.nih.gov
  • UN Refugee Agency. (2023). Basic Needs Support for War Survivors. Retrieved from https://www.unhcr.org
  • World Bank. (2023). Educational Programs for Post-Conflict Communities. Retrieved from https://www.worldbank.org
  • World Health Organization. (2023). Mental Health in War Zones. Retrieved from https://www.who.int
Share Post :