صفحة المقال

لماذا تعاني بعد الحرب؟ تعرف على تأثيرها العميق على صحتك النفسية

لماذا تعاني بعد الحرب؟ تعرف على تأثيرها العميق على صحتك النفسية

مقدمة

تؤثر الحروب والصراعات بشكل كبير على حياة الأفراد، ليس فقط من حيث الأمان الجسدي، ولكن أيضًا من حيث الصحة النفسية. عندما يتعرض الأشخاص للحروب، فإنهم يواجهون مواقف مرعبة وصعبة قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية تستمر لفترات طويلة. في هذا المقال، سنستعرض تأثير الحروب على الصحة النفسية، وكيف يمكن أن تتسبب في تغيرات عميقة في حياة المتأثرين بها.

تأثير الحرب على الصحة النفسية

1. القلق والاكتئاب

الحروب تؤدي إلى مستويات عالية من القلق والاكتئاب بين المتأثرين بها. فقدان الأمن والخوف المستمر من التعرض للأذى يجعل الأفراد يعيشون في حالة دائمة من التوتر. هذا التوتر يمكن أن يتحول إلى قلق مزمن، حيث يجد الشخص صعوبة في الاسترخاء والشعور بالأمان حتى بعد انتهاء الصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الأحباء، وتدمير المنازل، وفقدان الوظائف، يمكن أن يؤدي إلى مشاعر حادة من الحزن والاكتئاب (Mollica et al., 2004).

2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

اضطراب ما بعد الصدمة هو أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا بين الأشخاص الذين عاشوا تجربة الحرب. يتمثل هذا الاضطراب في استعادة ذكريات مؤلمة من الماضي بشكل متكرر، والشعور بالخوف والهلع من مواقف قد تذكر الشخص بالحرب. يمكن أن يؤثر على حياة الأفراد بشكل كبير، مما يجعلهم يعانون من كوابيس، وصعوبة في النوم، والعزلة الاجتماعية (American Psychiatric Association, 2013).

3. فقدان الشعور بالأمان

الحرب تؤدي إلى زعزعة شعور الأمان لدى الأفراد. عندما يتعرض الشخص لمواقف خطيرة باستمرار، يبدأ في الشعور بأن العالم مكان غير آمن. هذا الشعور يمكن أن يستمر لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الحرب، مما يجعل الشخص يعيش في حالة من القلق المستمر ويصعب عليه الثقة بالآخرين أو العودة لحياة طبيعية (Steel et al., 2009).

4. مشاكل العلاقات الاجتماعية

الصراعات والحروب تؤثر بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية. الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب قد يجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين. يمكن أن يؤدي القلق المستمر والاضطرابات النفسية إلى الابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، مما يزيد من الشعور بالعزلة والوحدة. هذا الانفصال الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية بشكل أكبر، حيث يفقد الشخص الدعم الذي يحتاجه للتعافي (Hobfoll et al., 2007).

5. تأثيرات طويلة الأمد

تأثير الحرب على الصحة النفسية ليس مؤقتًا فقط، بل يمكن أن يمتد لسنوات طويلة. حتى بعد انتهاء الحرب، قد يظل الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية تحتاج إلى علاج مستمر. بعض الأشخاص قد يحتاجون إلى علاج نفسي أو تناول أدوية لمساعدتهم على التعامل مع القلق أو الاكتئاب الناتج عن الصراع (Silove, 2013).

كيفية التعامل مع تأثير الحرب على الصحة النفسية

1. الدعم النفسي والاجتماعي

من المهم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص المتأثرين بالحرب. يمكن أن يساعد العلاج النفسي الجماعي أو الفردي في معالجة الاضطرابات النفسية وتقديم الدعم اللازم للأفراد. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء شبكات دعم اجتماعية قوية يمكن أن يساعد الأفراد على الشعور بالانتماء والأمان (Herman, 1992).

2. التوعية والتثقيف

التوعية حول تأثير الحرب على الصحة النفسية ضرورية للتعامل مع المشاكل النفسية بشكل فعال. من خلال فهم الأعراض والعلامات التي قد تظهر على الأشخاص المتأثرين بالحرب، يمكن تقديم المساعدة في الوقت المناسب. كما أن التثقيف حول كيفية التعامل مع التوتر والقلق يمكن أن يكون أداة فعالة في دعم الأفراد المتضررين (Schauer et al., 2011).

3. توفير الخدمات النفسية

توفير الخدمات النفسية بشكل واسع ومتاح للجميع أمر ضروري في المجتمعات المتأثرة بالحرب. يجب أن تكون هناك مراكز دعم نفسي متاحة للجميع، حيث يمكن للأفراد الحصول على المساعدة التي يحتاجونها بدون عوائق. كما يجب أن تكون هذه الخدمات متاحة بشكل مستمر لتلبية احتياجات الأفراد على المدى الطويل (WHO, 2013).

4. تعزيز الصحة النفسية للأطفال والشباب

الأطفال والشباب هم من بين الفئات الأكثر تأثرًا بالحرب، ويحتاجون إلى دعم خاص للتعامل مع تأثيرات الصراع على صحتهم النفسية. يمكن أن يساعد تقديم الدعم النفسي والتعليمي للأطفال على التعافي والتأقلم بشكل أفضل مع الحياة بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الأنشطة الترفيهية والتعليمية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حالتهم النفسية (Masten & Narayan, 2012).

5. استخدام التقنيات الحديثة

في العصر الحالي، يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل تطبيقات الهواتف الذكية ومنصات العلاج عبر الإنترنت لتقديم الدعم النفسي للأشخاص المتأثرين بالحرب. هذه الوسائل توفر الوصول السريع إلى المساعدة النفسية للأشخاص الذين قد لا يتمكنون من الوصول إلى الخدمات التقليدية (Kramer et al., 2014).

خاتمة

تأثير الحرب على الصحة النفسية هو أمر معقد وعميق، حيث يمكن أن تترك الحروب ندوبًا نفسية تستمر لسنوات طويلة. من المهم تقديم الدعم اللازم للأشخاص المتأثرين بالحروب، سواء كان ذلك من خلال العلاج النفسي، أو بناء شبكات دعم اجتماعية قوية، أو التوعية حول تأثيرات الحرب على الصحة النفسية. يمكن للتدخلات المبكرة والمستمرة أن تساعد في تخفيف حدة التأثيرات النفسية وتساعد الأفراد على استعادة حياتهم الطبيعية.

المراجع

  • American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.
  • Herman, J. L. (1992). Trauma and Recovery. New York: Basic Books.
  • Hobfoll, S. E., et al. (2007). “Five essential elements of immediate and mid-term mass trauma intervention: Empirical evidence.” Psychiatry: Interpersonal and Biological Processes, 70(4), 283-315.
  • Kramer, G., et al. (2014). “Digital mental health interventions for people affected by conflict: A rapid review.” The Lancet Psychiatry, 1(6), 498-500.
  • Masten, A. S., & Narayan, A. J. (2012). “Child development in the context of disaster, war, and terrorism: Pathways of risk and resilience.” Annual Review of Psychology, 63, 227-257.
  • Mollica, R. F., et al. (2004). “Mental health in complex emergencies.” The Lancet, 364(9450), 2058-2067.
  • Schauer, M., et al. (2011). Narrative Exposure Therapy: A Short-Term Treatment for Traumatic Stress Disorders (2nd ed.). Cambridge, MA: Hogrefe Publishing.
  • Silove, D. (2013). “The ADAPT model: A conceptual framework for mental health and psychosocial programming in post conflict settings.” Intervention, 11(3), 237-248.
  • Steel, Z., et al. (2009). “The global prevalence of common mental disorders: A systematic review and meta-analysis 1980-2013.” International Journal of Epidemiology, 43(2), 476-493.
  • World Health Organization (WHO). (2013). Building Back Better: Sustainable Mental Health Care after Emergencies. Geneva: WHO Press.
Share Post :