لماذا يعتقد البعض أن أصحاب نمط INTP يعانون من اضطرابات نفسية؟
في عالم يعج بأنماط الشخصيات المختلفة، يتميز نمط INTP بصفات قد تبدو للبعض غير تقليدية أو صعبة الفهم. يُعرف هذا النمط بتحليله العميق للأمور، حبه للانعزال، وتركيزه على الفكر بدلاً من العواطف. ورغم أن هذه الصفات تعكس شخصية فريدة من نوعها، إلا أن البعض قد يسيء فهمها، ويفسرون سلوكيات INTP على أنها علامات للتوحد أو اضطراب نفسي. في هذا المقال، سنتناول طبيعة شخصية INTP، ولماذا يعتقد البعض أن من يتبنى هذا النمط يعاني من مشاكل نفسية، وكيف يمكن تصحيح هذا الفهم الخاطئ.
1. ما هو نمط INTP؟
يشير نمط INTP في اختبار مايرز-بريغز (MBTI) إلى الشخص الذي يفضل الانطواء (Introversion)، الحدس (Intuition)، التفكير (Thinking)، والإدراك (Perceiving). الشخصيات التي تقع ضمن هذا النمط تتميز بالتفكير المنطقي والتحليلي، وتركيزها على الأفكار المجردة والنظريات أكثر من التفاصيل الملموسة. إنهم مفكرون بطبيعتهم، يميلون إلى قضاء الوقت بمفردهم للتأمل والتفكير في الأمور بعمق.
يقدر اختبار MBTI أن نسبة الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا النمط تتراوح بين 3% و5% من مجموع السكان، مما يجعله نمطًا نادرًا نسبيًا (Myers & Briggs, 1995). بعض السمات الشائعة لشخصية INTP تشمل:
- الاستقلالية: يحبون العمل بمفردهم ويشعرون بالراحة عند التفكير والتحليل بعيدًا عن الضوضاء الاجتماعية.
- البحث عن المعرفة: لديهم دافع داخلي لفهم العالم من حولهم، وغالبًا ما ينخرطون في البحث عن المعلومات الجديدة.
- التركيز على الأفكار المجردة: بدلاً من التعامل مع الواقع المادي أو التفاصيل اليومية، يميل INTP إلى التفكير في المفاهيم الكبرى.
2. الفرق بين INTP والتوحد
من أبرز الأمور التي قد تجعل الآخرين يعتقدون أن الشخص INTP متوحد هو تشابه بعض السلوكيات، مثل العزلة، عدم الميل للتفاعل الاجتماعي، والانغماس في التفكير العميق. ومع ذلك، التوحد هو اضطراب نمو عصبي يؤثر على قدرة الشخص على التواصل الاجتماعي، فهم العواطف، والتفاعل مع الآخرين بطريقة طبيعية (American Psychiatric Association, 2013).
بينما يفضل INTP العزلة بسبب حاجته للتفكير الشخصي والتركيز، إلا أن الأشخاص الذين يعانون من التوحد يواجهون صعوبات في تكوين العلاقات الاجتماعية، وحتى في فهم الإشارات الاجتماعية الأساسية. على الرغم من أن INTP قد يبدو هادئًا ومنعزلًا في المواقف الاجتماعية، إلا أنه يستطيع التفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي عندما يشعر بالحاجة لذلك.
3. لماذا يعتقد البعض أنني مريض نفسي؟
قد يساء فهم سمات شخصية INTP على أنها علامات اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب أو اضطراب القلق الاجتماعي. على سبيل المثال:
- العزلة: INTP يحب قضاء الوقت بمفرده للتفكير، مما قد يبدو للبعض أنه يعاني من مشاعر الحزن أو العزلة المفرطة.
- قلة التعبير العاطفي: يُعرف عن INTP أنه يفضل التعامل مع الأمور بطريقة منطقية أكثر من العاطفية. هذا النقص في التعبير عن المشاعر قد يدفع الآخرين إلى الاعتقاد بأنهم باردون أو غير مبالين بمشاعر الآخرين.
ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن اختيار العزلة ليس دائمًا علامة على الاضطراب النفسي. بينما يعاني الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات مثل القلق الاجتماعي من مشاعر الخوف عند التفاعل مع الآخرين، يختار INTP ببساطة البقاء بمفرده لأنهم يجدون الراحة في التفكير بعمق بدلاً من التفاعل السطحي. إنهم لا يعانون من خوف اجتماعي، بل يفضلون جودة العلاقات على كميتها.
4. كيف يسيء الناس فهم INTP؟
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الآخرين يسيئون فهم شخصية INTP، بما في ذلك:
- تفضيل التفكير العميق: يميل INTP إلى الانخراط في التفكير المجرد والمفاهيم المعقدة، مما قد يجعلهم يبدون غير مهتمين بالتفاصيل اليومية أو التفاعلات الاجتماعية السطحية.
- قلة الاهتمام بالتواصل العاطفي: قد يجد INTP صعوبة في التعبير عن مشاعره أو فهم مشاعر الآخرين. هذا يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم حيث يعتقد الآخرون أن الشخص INTP غير متعاطف أو بارد.
- الاستقلالية الشديدة: يميل الأشخاص الذين يحملون نمط INTP إلى تفضيل العمل بمفردهم، وهو ما يمكن أن يُفهم على أنه تجنب للتفاعل الاجتماعي أو انعزال غير صحي.
5. التشابهات والاختلافات مع الاضطرابات النفسية
أحد الأسباب التي قد تجعل الآخرين يخلطون بين شخصية INTP والاضطرابات النفسية هو التشابه الظاهري في بعض السلوكيات. على سبيل المثال، قد يتشابه تفضيل العزلة والانطواء لدى INTP مع أعراض القلق الاجتماعي أو الاكتئاب. ومع ذلك، فإن الفرق الرئيسي يكمن في الدافع وراء هذه السلوكيات:
- القلق الاجتماعي: يشعر الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي بالخوف الشديد من التفاعل مع الآخرين، ويخشون الحكم السلبي عليهم. بينما يفضل INTP العزلة، فإنه لا يخاف من التفاعل الاجتماعي، بل يختاره بسبب تفضيله للعزلة كفرصة للتفكير.
- الاكتئاب: الاكتئاب هو اضطراب نفسي يتسم بمشاعر الحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالحياة اليومية. INTP قد يبدو هادئًا أو غير مبالٍ في بعض الأحيان، ولكنه لا يعاني من مشاعر الحزن أو اليأس الشديدة التي ترافق الاكتئاب.
6. كيف يمكن التغلب على سوء الفهم؟
إذا كنت من الأشخاص الذين يحملون نمط INTP وتواجه سوء فهم من الآخرين، قد يكون من المفيد اتباع بعض الاستراتيجيات لتحسين التفاهم المتبادل:
- التواصل المفتوح: قد تحتاج إلى شرح أسباب تفضيلك للعزلة أو التفكير العميق للأشخاص من حولك. يمكن أن يساعد هذا في تقليل سوء الفهم وجعلهم يدركون أن هذا جزء من شخصيتك وليس علامة على اضطراب.
- إظهار الاهتمام العاطفي: على الرغم من أن INTP يميل إلى التفكير المنطقي، إلا أنه يمكنه أيضًا إظهار التعاطف والاهتمام بمشاعر الآخرين. تخصيص وقت للتفاعل مع الآخرين على مستوى عاطفي قد يساعد في تحسين العلاقات الاجتماعية.
- المرونة في التواصل الاجتماعي: قد يكون من المفيد أن تحاول الانخراط في التفاعل الاجتماعي بمزيد من المرونة. على الرغم من أن التفاعل الاجتماعي قد لا يكون أولوية لديك، إلا أن بذل جهد إضافي للتواصل مع الآخرين قد يعزز من الفهم المتبادل.
7. خاتمة
في النهاية، يعد نمط INTP من الشخصيات الفريدة التي تمتاز بالعقلانية والتحليل العميق، ولكن هذا قد يؤدي أحيانًا إلى سوء الفهم من قبل الآخرين. من المهم أن ندرك أن تفضيلات الشخصية ليست بالضرورة مؤشرات على اضطرابات نفسية. من خلال التواصل المفتوح والفهم المتبادل، يمكن أن يتعلم الأشخاص كيفية تقدير سمات الشخصية المختلفة واحترام التنوع البشري.
المصادر والمراجع:
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.). Washington, DC.
- Myers, I. B., & Briggs, K. C. (1995). Myers-Briggs Type Indicator Manual. Palo Alto, CA: Consulting Psychologists Press.
- World Health Organization. (2019). International Classification of Diseases for Mortality and Morbidity Statistics (11th Revision). Geneva: World Health Organization.