صفحة المقال

هل تبحث عن سعادة دائمة؟ إليك ما يعيقك!

هل تبحث عن سعادة دائمة؟ إليك ما يعيقك!

السعادة، ذلك الشعور الجميل الذي يسعى إليه الجميع، هي واحدة من أكثر الأشياء التي نتوق إليها في حياتنا. ولكن ما إن نجدها حتى نشعر أحيانًا أنها تتلاشى بسرعة. ربما نمر بلحظات من الفرح والابتهاج، ولكن سرعان ما تعود الحياة إلى مسارها الروتيني. فهل تساءلت يومًا لماذا لا تدوم السعادة؟ في هذا المقال، سنتناول هذا السؤال ونحاول فهم الأسباب التي تجعل السعادة عابرة. سنلقي الضوء على العوامل النفسية والاجتماعية التي تلعب دورًا في هذا الأمر، وكيف يمكننا أن نقترب من تحقيق سعادة أكثر استدامة.

1. مفهوم السعادة

قبل أن نتحدث عن سبب عدم ديمومة السعادة، من المهم أن نفهم مفهوم السعادة ذاته. السعادة ليست مجرد شعور بالفرح، بل هي حالة عامة من الرضا والسلام الداخلي. قد تكون السعادة مرتبطة بأمور مادية مثل النجاح أو المال، أو قد تكون مرتبطة بالعلاقات الإنسانية أو الشعور بالسلام النفسي. ورغم ذلك، يمكن أن تختلف تعريفات السعادة من شخص لآخر. ففي حين يجد البعض السعادة في تحقيق أهدافهم المهنية، قد يجدها آخرون في قضاء الوقت مع العائلة أو في ممارسة هواياتهم (Diener et al., 2020).

ومع ذلك، يشترك الجميع في أمر واحد، وهو أن السعادة غالبًا ما تكون مؤقتة. حين نحقق هدفًا ما أو نحصل على شيء نريده، نشعر بالفرح لبرهة، ثم سرعان ما نعود إلى حالتنا الطبيعية.

2. تأثير التكيف النفسي

أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم ديمومة السعادة هو ما يعرف بـ “التكيف النفسي”. هذا المفهوم يشير إلى قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف الجديدة بمرور الوقت. على سبيل المثال، عندما نحصل على ترقية في العمل أو نشتري سيارة جديدة، نشعر بالسعادة والفرح لفترة قصيرة، لكن مع مرور الوقت نتكيف مع هذا الوضع الجديد وتصبح السعادة أقل وضوحًا. هذا التكيف النفسي هو سبب رئيسي في الشعور بأن السعادة تتلاشى بعد تحقيق الأهداف.

تشير الدراسات إلى أن الإنسان يمتلك قدرة طبيعية على العودة إلى مستوى محدد من السعادة بعد الأحداث الإيجابية أو السلبية. فعلى الرغم من تحقيق النجاحات أو تجاوز الصعوبات، يعود الشخص إلى حالته المعتادة مع الوقت (Lyubomirsky et al., 2019). هذا يعني أن السعادة ليست ثابتة، بل هي مشروطة بعوامل خارجية وداخلية نتكيف معها بمرور الوقت.

3. السعي المستمر وراء الأهداف

عامل آخر يؤثر على استدامة السعادة هو السعي المستمر لتحقيق الأهداف. يميل الناس إلى ربط السعادة بتحقيق أهداف معينة، مثل الحصول على وظيفة مرموقة، الزواج، أو شراء منزل. ولكن بمجرد تحقيق هذه الأهداف، نجد أنفسنا نبحث عن هدف جديد نسعى لتحقيقه. هذه الدورة المستمرة من الطموح قد تؤدي إلى شعور مؤقت بالسعادة يتبعه شعور بالفراغ بعد تحقيق الهدف.

هذا السعي المستمر وراء الأهداف يؤدي إلى ما يعرف بـ “سباق الجرذان”، حيث يسعى الإنسان دائمًا للمزيد دون أن يشعر بالرضا الكامل عن ما حققه. هذا لا يعني أن الطموح سيئ، ولكن من المهم أن ندرك أن تحقيق الأهداف لا يضمن السعادة الدائمة. لذا، يجب أن نتعلم كيف نستمتع بالرحلة نفسها بدلاً من التركيز فقط على الوجهة (Sheldon & Elliot, 2018).

4. تأثير البيئة والمجتمع

البيئة المحيطة بنا تلعب دورًا كبيرًا في مدى شعورنا بالسعادة. قد نعيش في مجتمع يضغط علينا لتحقيق معايير معينة من النجاح أو الإنجاز. هذه الضغوط قد تجعلنا نشعر بعدم الرضا، حتى لو كنا نعيش حياة جيدة. على سبيل المثال، قد يشعر البعض بعدم السعادة لأنهم يقارنون أنفسهم بالآخرين الذين يظهرون على مواقع التواصل الاجتماعي حياة مثالية.

تشير الأبحاث إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تزيد من مشاعر عدم الرضا عن الحياة، حيث يُظهر الناس أفضل جوانب حياتهم على هذه المنصات مما يجعل الآخرين يشعرون بأن حياتهم أقل قيمة (Twenge & Campbell, 2021). من المهم أن ندرك أن السعادة ليست مرتبطة بما نراه في حياة الآخرين، بل بما نشعر به في حياتنا الخاصة.

5. التوقعات العالية

أحد الأسباب الرئيسية لعدم ديمومة السعادة هو التوقعات العالية التي نضعها لأنفسنا ولحياتنا. عندما نضع توقعات غير واقعية، نصبح عرضة للإحباط عندما لا تتحقق تلك التوقعات. قد نتوقع أن نكون سعداء طوال الوقت، ولكن الحياة مليئة بالتحديات والضغوط التي تجعل من المستحيل الحفاظ على سعادة دائمة.

التوقعات العالية قد تؤدي إلى شعور دائم بعدم الرضا عن النفس والحياة. من المهم أن نتعلم كيفية وضع توقعات واقعية تتناسب مع حياتنا وظروفنا. بدلاً من البحث عن السعادة المطلقة، يجب أن نتعلم كيف نستمتع باللحظات الصغيرة والبسيطة التي قد تمر دون أن نلاحظها (Schwartz, 2019).

6. العوامل البيولوجية

من ناحية أخرى، هناك عوامل بيولوجية تلعب دورًا في تحديد مدى شعورنا بالسعادة. بعض الناس قد يكون لديهم استعداد وراثي للشعور بالسعادة بشكل أكبر من الآخرين. هذا يعتمد على كيفية عمل الدماغ وإفراز الهرمونات المرتبطة بالسعادة مثل الدوبامين والسيروتونين.

تشير الدراسات إلى أن التوازن الكيميائي في الدماغ يمكن أن يؤثر على حالتنا النفسية بشكل عام. في بعض الحالات، قد يكون من الصعب تحقيق السعادة الدائمة بسبب اضطرابات في إفراز هذه المواد الكيميائية. هذا يفسر لماذا قد يشعر بعض الناس بالحزن أو الاكتئاب حتى في الأوقات التي يُفترض أن تكون سعيدة (Davidson & McEwen, 2018).

7. كيفية تحقيق السعادة المستدامة

رغم أن السعادة قد تكون عابرة، إلا أن هناك طرقًا يمكننا من خلالها تعزيز شعورنا بالسعادة بشكل مستدام. من بين هذه الطرق:

  • الامتنان: تعلم كيف تكون ممتنًا للأشياء التي تملكها بالفعل في حياتك. الامتنان يساعد على تحسين النظرة الإيجابية ويقلل من الشعور بعدم الرضا (Emmons & McCullough, 2020).
  • العيش في اللحظة: بدلاً من التفكير المستمر في المستقبل أو الماضي، حاول أن تعيش اللحظة الحالية. العيش في اللحظة يعزز الشعور بالسلام والرضا.
  • العلاقات الإنسانية: العلاقات الصحية والداعمة تعتبر مصدرًا قويًا للسعادة. الاهتمام بالأشخاص الذين تحبهم وقضاء الوقت معهم يمكن أن يعزز من شعورك بالسعادة والرضا.
  • الاعتناء بالنفس: الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية يلعب دورًا كبيرًا في تحقيق السعادة. ممارسة الرياضة، تناول الطعام الصحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يساعد في تحسين الحالة النفسية والجسدية.
  • التعلم المستمر: السعي لاكتساب مهارات جديدة والتعلم يمكن أن يكون مصدرًا للسعادة. التطور الشخصي يعزز الثقة بالنفس ويجلب شعورًا بالإنجاز.

الخاتمة

في النهاية، السعادة ليست حالة دائمة، بل هي شعور يأتي ويذهب. الأسباب التي تجعل السعادة لا تدوم تتنوع بين التكيف النفسي، التوقعات العالية، التأثيرات البيئية والبيولوجية. ولكن رغم ذلك، يمكننا اتخاذ خطوات لتعزيز شعورنا بالسعادة وجعلها أكثر استدامة. من خلال تعلم الامتنان، العيش في اللحظة، بناء علاقات صحية، والاعتناء بالنفس، يمكننا أن نقترب من تحقيق حياة مليئة بالرضا والسلام الداخلي.

المصادر:

  • Davidson, R. J., & McEwen, B. S. (2018). Social influences on neuroplasticity: stress and interventions to promote well-being. Nature Reviews Neuroscience.
  • Diener, E., Oishi, S., & Tay, L. (2020). Advances in subjective well-being. World Happiness Report.
  • Emmons, R. A., & McCullough, M. E. (2020). The psychology of gratitude. Oxford University Press.
  • Lyubomirsky, S., Sheldon, K. M., & Schkade, D. (2019). Pursuing happiness: The architecture of sustainable change. Review of General Psychology.
  • Schwartz, B. (2019). The paradox of choice: Why more is less. HarperCollins.
  • Sheldon, K. M., & Elliot, A. J. (2018). Goal striving, need satisfaction, and longitudinal well-being: the self-concordance model. Journal of Personality and Social Psychology.
  • Twenge, J. M., & Campbell, W. K. (2021). The Narcissism Epidemic: Living in the Age of Entitlement. Free Press.
Share Post :