هل وصمة العار تمنعك من طلب المساعدة؟ تعرف على الحقيقة هنا
المقدمة
عندما نسمع مصطلح “وصمة العار” أو “الستيغما” في سياق الصحة النفسية، قد يتبادر إلى أذهاننا صورة عن تصور سلبي أو حكم مسبق يتعلق بالأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية. ولكن ما هي وصمة العار تحديدًا؟ وكيف تؤثر على الأفراد والمجتمع بشكل عام؟ في هذا المقال، سنستعرض مفهوم وصمة العار في الصحة النفسية، تأثيراتها المتعددة، وكيفية التصدي لها..
ما هي وصمة العار في الصحة النفسية؟
وصمة العار في الصحة النفسية هي التصورات السلبية والأحكام المسبقة التي يتم تشكيلها ضد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. هذه التصورات غالبًا ما تكون مبنية على معلومات غير دقيقة أو على أفكار قديمة ومضللة حول الصحة النفسية. وصمة العار يمكن أن تتجلى في شكل تمييز، استهزاء، أو حتى رفض للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية (Corrigan et al., 2002).
مثلاً، قد يعتقد البعض أن الشخص الذي يعاني من الاكتئاب يجب أن يكون قادرًا على “التغلب” على مشكلته إذا حاول بجدية كافية. أو قد يظن البعض أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق هم ببساطة غير قادرين على التعامل مع ضغوط الحياة. هذه الأفكار ليست فقط غير دقيقة، بل إنها يمكن أن تزيد من معاناة الأفراد وتجعلهم يشعرون بالعزلة والخجل من طلب المساعدة (Link & Phelan, 2001).
تأثير وصمة العار على الأفراد
وصمة العار لها تأثيرات كبيرة على الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية. أولاً، يمكن أن تجعل الأشخاص يشعرون بالخجل من حالتهم، مما يدفعهم إلى إخفاء مشكلاتهم عن الآخرين. هذه العزلة يمكن أن تزيد من تفاقم الحالة النفسية، حيث يصبح الشخص أقل قدرة على البحث عن الدعم والمساعدة اللازمة (Corrigan & Watson, 2002).
ثانيًا، وصمة العار قد تؤثر على جودة حياة الأفراد من خلال تقليل فرصهم في التعليم والعمل. على سبيل المثال، يمكن أن يتعرض الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية للتمييز في بيئات العمل، مما قد يؤدي إلى صعوبة في الحصول على وظائف أو في تحقيق النجاح في الحياة المهنية (Henderson et al., 2013). كما يمكن أن تؤثر وصمة العار على العلاقات الاجتماعية، حيث قد يتجنب الأصدقاء والعائلة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، مما يزيد من شعورهم بالوحدة.
ثالثًا، الأفراد الذين يعانون من وصمة العار قد يتجنبون البحث عن العلاج. عندما يشعر الناس بالخجل من طلب المساعدة، فإنهم قد يتأخرون في الحصول على العلاج اللازم، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم النفسية وزيادة معاناتهم (Corrigan et al., 2003).
تأثير وصمة العار على المجتمع
وصمة العار لا تؤثر فقط على الأفراد، بل لها تأثيرات واسعة على المجتمع ككل. أولاً، وصمة العار تساهم في نشر المعلومات الخاطئة حول الصحة النفسية. عندما يعتقد الناس أن الاضطرابات النفسية هي نتيجة لضعف الشخصية أو ضعف الإرادة، فإن ذلك يمنعهم من فهم الحقيقة حول كيفية تطور هذه الحالات وأسبابها (Thornicroft et al., 2007).
ثانيًا، وصمة العار يمكن أن تؤدي إلى نقص الدعم الاجتماعي والسياسي لبرامج الصحة النفسية. عندما لا يكون هناك فهم صحيح لمشكلات الصحة النفسية، فإن الحكومات والمجتمعات قد تكون أقل استعدادًا لتمويل الخدمات والبرامج التي تحتاج إليها هذه الفئة من الناس. هذا يمكن أن يؤدي إلى نقص في الموارد المتاحة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مما يؤثر على جودة حياتهم (Henderson et al., 2013).
ثالثًا، وصمة العار تؤدي إلى زيادة التمييز ضد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. هذا التمييز يمكن أن يظهر في أماكن العمل، في المدارس، وفي المجتمع بشكل عام. التمييز يمكن أن يؤدي إلى عدم المساواة في الفرص والحقوق، مما يجعل من الصعب على الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية تحقيق إمكاناتهم الكاملة (Link & Phelan, 2001).
كيفية مكافحة وصمة العار في الصحة النفسية
مكافحة وصمة العار تتطلب جهودًا متعددة من الأفراد والمجتمعات والحكومات. هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها العمل على تقليل وصمة العار وتحسين الفهم العام لمشكلات الصحة النفسية:
- التوعية والتعليم: من المهم توعية الناس حول صحة النفس ورفع مستوى الفهم بشأن الاضطرابات النفسية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الحملات الإعلامية والتعليمية التي تركز على تقديم معلومات دقيقة حول الصحة النفسية وأسبابها. البرامج التعليمية في المدارس والجامعات يمكن أن تلعب دورًا هامًا في تغيير التصورات السلبية حول الصحة النفسية (Thornicroft et al., 2007).
- تشجيع الحوار المفتوح: التحدث عن الصحة النفسية بشكل علني يمكن أن يساعد في تقليل وصمة العار. مشاركة التجارب الشخصية من قبل الأفراد الذين عانوا من مشاكل نفسية يمكن أن تسهم في تغيير الأفكار السائدة وتعزيز الفهم والتعاطف. الحديث عن التجارب الشخصية يشجع الآخرين على طلب المساعدة عندما يحتاجون إليها (Corrigan et al., 2002).
- دعم المؤسسات والمبادرات: دعم المؤسسات التي تعمل على تحسين خدمات الصحة النفسية وتقديمها يمكن أن يكون له تأثير كبير. من خلال توفير الموارد اللازمة لبرامج الصحة النفسية، يمكن للمجتمعات أن تساهم في تحسين الدعم المقدم للأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية وتقليل وصمة العار (Henderson et al., 2013).
- تقديم التدريب والدعم في أماكن العمل والتعليم: تدريب الموظفين والمعلمين على كيفية التعامل مع الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية يمكن أن يساعد في تقليل التمييز وتعزيز بيئة أكثر شمولية. توفير الدعم النفسي في أماكن العمل والتعليم يمكن أن يساهم في تحسين جودة حياة الأفراد وتسهيل إدماجهم في المجتمع (Corrigan & Watson, 2002).
أهمية الحصول على الدعم والمساعدة
من المهم أن يدرك الأفراد أن طلب المساعدة ليس علامة على الضعف، بل هو خطوة شجاعة نحو التعافي. الحصول على دعم نفسي من أخصائيين يمكن أن يساعد في التعامل مع مشكلات الصحة النفسية بطرق فعالة. الأخصائيون مدربون على تقديم المساعدة والعلاج اللازم للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية، ويمكنهم توفير الأدوات والاستراتيجيات التي تساعد في التعامل مع هذه المشكلات بشكل أفضل (Corrigan et al., 2003).
كما أن الدعم الاجتماعي مهم جدًا. التحدث مع الأصدقاء والعائلة حول المشاعر والمشكلات يمكن أن يوفر دعمًا عاطفيًا مهمًا. من خلال بناء شبكة دعم قوية، يمكن للأفراد أن يشعروا بالتفاهم والتعاطف، مما يساعدهم في التغلب على التحديات التي يواجهونها.
الخاتمة
وصمة العار في الصحة النفسية هي مشكلة تؤثر على الأفراد والمجتمع بشكل كبير. من خلال فهم معنى وصمة العار وتأثيراتها، يمكننا العمل على تقليلها وتحسين التوعية بمشكلات الصحة النفسية. التوعية، تشجيع الحوار المفتوح، دعم المؤسسات، وتقديم التدريب يمكن أن تساهم جميعها في تقليل وصمة العار وتحسين حياة الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية. معًا، يمكننا بناء مجتمع أكثر دعمًا وشمولية لجميع الأفراد.
المراجع
- Corrigan, P. W., & Watson, A. C. (2002). Understanding the impact of stigma on people with mental illness. World Psychiatry, 1(1), 16-20.
- Corrigan, P. W., Markowitz, F. E., Watson, A. C., Rowan, D., & Kubiak, M. A. (2002). An attribution model of public discrimination towards persons with mental illness. Journal of Health and Social Behavior, 43(2), 162-179.
- Corrigan, P. W., Watson, A. C., & Barr, L. (2003). The impact of mental illness stigma on seeking and participating in mental health care. Journal of Health and Social Behavior, 44(3), 258-273.
- Henderson, C., Evans-Lacko, S., & Thornicroft, G. (2013). Mental illness stigma, help seeking, and public health programs. American Journal of Public Health, 103(5), 777-780.
- Link, B. G., & Phelan, J. C. (2001). Conceptualizing stigma. Annual Review of Sociology, 27(1), 363-385.
- Thornicroft, G., Brohan, E., Rose, D., Sartorius, N., & Leese, M. (2007). Global pattern of experienced and anticipated discrimination against people with schizophrenia: a cross-sectional survey. The Lancet, 373(9661), 408-415.