لا تدع اضطرابات الأكل تدمرك: كيف تفهمها وتتغلب عليها
اضطرابات الأكل تعتبر من الاضطرابات النفسية المعقدة التي تؤثر بشكل كبير على صحة الأفراد وسلوكهم الغذائي. هذه الاضطرابات لا تقتصر فقط على مشكلات في الأكل، بل تتجاوز ذلك لتشمل جوانب نفسية واجتماعية تؤثر على حياة المصابين بها. في هذا المقال، سنتناول أبرز أنواع اضطرابات الأكل، أسبابها، وطرق العلاج المتاحة..
الأنواع الرئيسية لاضطرابات الأكل
- فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa)
فقدان الشهية العصبي هو اضطراب يتميز بالخوف المفرط من زيادة الوزن، مما يدفع الشخص إلى الامتناع عن تناول الطعام أو تناول كميات ضئيلة للغاية. يشمل هذا الاضطراب سلوكيات غير صحية تهدف إلى فقدان الوزن، مثل تقييد السعرات الحرارية بشدة، ممارسة الرياضة بشكل مفرط، أو حتى التقيؤ بعد الأكل (Fairburn and Harrison, 2003).
يعاني المصابون بهذا الاضطراب من صورة مشوهة عن أجسامهم، ويعتقدون دائمًا أنهم يعانون من زيادة في الوزن حتى وإن كانوا يعانون من نقص كبير فيه. يؤدي هذا الاضطراب إلى مشكلات صحية خطيرة مثل سوء التغذية، هشاشة العظام، وانخفاض معدل ضربات القلب. - الشره المرضي العصبي (Bulimia Nervosa)
الشره المرضي العصبي هو اضطراب يتجلى في نوبات من الإفراط في تناول الطعام تليها سلوكيات تعويضية مثل التقيؤ المتعمد أو استخدام المسهلات للتخلص من الطعام المتناول. يشعر المصاب بالذنب والخجل بعد هذه النوبات، مما يدفعه إلى محاولات يائسة للتخلص من السعرات الحرارية (Treasure, Claudino, and Zucker, 2010).
على المدى الطويل، يؤدي الشره المرضي إلى مشكلات صحية مثل تلف الأسنان بسبب التقيؤ المتكرر، التهاب الحلق، ومشاكل في الجهاز الهضمي مثل ارتجاع المريء. - اضطراب نهم الطعام (Binge Eating Disorder)
يتميز اضطراب نهم الطعام بتناول كميات كبيرة من الطعام في فترة زمنية قصيرة، وغالبًا ما يشعر المصاب بعدم القدرة على التحكم في نفسه خلال هذه النوبات. ولكن، على عكس الشره المرضي، لا يقوم المصاب بأي سلوكيات تعويضية بعد النوبة (American Psychiatric Association, 2013).
يؤدي هذا الاضطراب إلى زيادة الوزن والسمنة، والتي ترتبط بمشكلات صحية مثل مرض السكري وأمراض القلب. يعتبر اضطراب نهم الطعام الأكثر شيوعًا بين اضطرابات الأكل، ولكنه لا يحظى بنفس الاهتمام أو التوعية. - اضطراب تناول الطعام الانتقائي (Avoidant/Restrictive Food Intake Disorder)
هذا النوع من اضطرابات الأكل يحدث عندما يتجنب الشخص تناول أنواع معينة من الطعام أو يقلل من تناول الطعام بشكل مفرط بسبب مخاوف غير منطقية مرتبطة بالطعام، مثل القلق من مذاق أو ملمس الطعام (National Institute of Mental Health, 2022).
غالبًا ما يظهر هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة، ولكنه قد يستمر حتى البلوغ، مما يؤدي إلى نقص في العناصر الغذائية الهامة وسوء التغذية.
الأسباب المؤدية لاضطرابات الأكل
اضطرابات الأكل لا تنشأ من فراغ، بل تنجم عن مزيج من العوامل النفسية، الاجتماعية، والبيولوجية. فيما يلي نلقي الضوء على بعض هذه العوامل:
- العوامل النفسية
تتأثر اضطرابات الأكل بشكل كبير بالعوامل النفسية مثل القلق والاكتئاب. العديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل يعانون أيضًا من تدني احترام الذات وصورة مشوهة للجسم (Fairburn and Harrison, 2003). تلك المشاعر تدفع الشخص إلى اتخاذ سلوكيات غير صحية للتعامل مع التوتر والضغوط النفسية. - العوامل الاجتماعية
المجتمع والإعلام يلعبان دورًا رئيسيًا في تعزيز معايير الجمال والوزن المثالية، مما يؤدي إلى ضغط كبير على الأفراد لتحقيق تلك المعايير. وسائل الإعلام غالبًا ما تعرض صورًا لجسم مثالي، مما يزيد من القلق بشأن الوزن والمظهر الجسدي (Treasure, Claudino, and Zucker, 2010). - العوامل البيولوجية
تشير الأبحاث إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا كبيرًا في تطور اضطرابات الأكل. التغيرات في كيمياء الدماغ، وخاصة في الهرمونات المرتبطة بالجوع والشبع، يمكن أن تؤثر على السلوك الغذائي وتزيد من خطر الإصابة بهذه الاضطرابات (American Psychiatric Association, 2013).
طرق العلاج
العلاج المناسب لاضطرابات الأكل يعتمد على النوع وشدة الحالة. ومع ذلك، هناك العديد من الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن استخدامها لمساعدة الأفراد على التعافي.
- العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT)
يُعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر العلاجات فعالية في التعامل مع اضطرابات الأكل. يهدف هذا العلاج إلى تغيير الأفكار السلبية والسلوكيات غير الصحية المرتبطة بالطعام والوزن (Fairburn and Harrison, 2003). يساعد العلاج المصابين على تطوير طرق صحية للتعامل مع الضغوط والمشاعر السلبية. - العلاج الدوائي
في بعض الحالات، قد يتم وصف أدوية مضادة للاكتئاب أو مضادات القلق لعلاج اضطرابات الأكل، خاصة إذا كانت مصحوبة بأعراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب (National Institute of Mental Health, 2022). يمكن أن تساعد هذه الأدوية في تحسين الحالة المزاجية وتقليل السلوكيات المرتبطة بالاضطراب. - الدعم الغذائي
يُعد التدخل الغذائي جزءًا أساسيًا من علاج اضطرابات الأكل. يعمل أخصائيو التغذية مع المصابين على وضع خطط غذائية متوازنة تعيد تنظيم العادات الغذائية وتضمن حصول الجسم على العناصر الغذائية اللازمة (Treasure, Claudino, and Zucker, 2010). - الدعم الأسري والجماعي
يمكن أن يكون الدعم الأسري والجماعي مهمًا للغاية في تعزيز التعافي. يعمل المعالجون مع أفراد الأسرة لمساعدة المصاب على التعامل مع التحديات التي يواجهها في بيئة داعمة ومحبة (American Psychiatric Association, 2013).
الوقاية من اضطرابات الأكل
للوقاية من اضطرابات الأكل، من الضروري تعزيز ثقافة إيجابية تجاه الجسم والصحة. إليك بعض الطرق التي قد تساعد في الوقاية:
- تعزيز الثقة بالنفس والجسم
ينبغي تعزيز ثقافة تقبل الذات وتقدير الجسم كما هو. على الأفراد تعلم كيفية تقدير صحتهم بعيدًا عن المعايير المثالية غير الواقعية (Fairburn and Harrison, 2003). - التوعية باضطرابات الأكل
التثقيف حول اضطرابات الأكل والعلامات التحذيرية يمكن أن يساعد في الكشف المبكر عن الحالات ومنع تطور المشاكل إلى مراحل متقدمة (National Institute of Mental Health, 2022). - مواجهة تأثيرات وسائل الإعلام
من المهم توعية الأفراد بأن الصور التي تعرضها وسائل الإعلام ليست بالضرورة واقعية أو صحية. التعامل النقدي مع هذه الصور يمكن أن يقلل من الضغوط المتعلقة بالشكل الجسدي (Treasure, Claudino, and Zucker, 2010).
الخاتمة
تُعد اضطرابات الأكل من أكثر التحديات النفسية تعقيدًا التي تواجه المجتمع الحديث. رغم أن هذه الاضطرابات تتطلب علاجًا طويل الأمد وتدخلات متعددة الجوانب، إلا أن التدخل المبكر وتقديم الدعم النفسي والغذائي يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين حالة المصاب وتعزيز عملية التعافي. الوعي بأسباب اضطرابات الأكل وطرق علاجها يساعد على فهم أفضل لهذه المشكلة وتقديم المساعدة للأفراد الذين يعانون منها.
المراجع
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). American Psychiatric Publishing.
- Fairburn, C. G., & Harrison, P. J. (2003). Eating disorders. The Lancet, 361(9355), 407-416.
- National Institute of Mental Health. (2022). Eating disorders. Retrieved from https://www.nimh.nih.gov
- Treasure, J., Claudino, A. M., & Zucker, N. (2010). Eating disorders. The Lancet, 375(9714), 583-593.