الأمراض النفسية: كم عددها؟ وما أشهر الاضطرابات التي تؤثر على حياتنا؟
الأمراض النفسية تشكل جزءًا كبيرًا من التحديات الصحية في جميع أنحاء العالم. فهي تؤثر على حياة الملايين من الأشخاص سنويًا، ما يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الجوانب الشخصية والمهنية والاجتماعية. التعرف على أنواع هذه الأمراض وعددها يسهم في تعزيز الوعي بضرورة التعامل معها وفهم الطرق الفعّالة للعلاج. في هذا المقال سنتحدث عن عدد الأمراض النفسية، أشهرها، والعوامل المسببة لها، بالإضافة إلى تقديم بعض النصائح حول كيفية العلاج والوقاية.
1. كم عدد الأمراض النفسية؟
منظمة الصحة العالمية (WHO) والجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) تشير إلى أن هناك أكثر من 200 اضطراب نفسي معترف به في الأدلة الطبية. هذه الاضطرابات تشمل طيفًا واسعًا من المشكلات النفسية التي تتراوح بين اضطرابات المزاج واضطرابات القلق واضطرابات الشخصية إلى الاضطرابات السلوكية والإدمانات. وفقًا لـ الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، يتم تصنيف هذه الاضطرابات إلى مجموعات بناءً على الأعراض والمعايير التشخيصية المتفق عليها دوليًا (American Psychiatric Association, 2013).
الأمراض النفسية ليست ثابتة أو محصورة بعدد معين، بل هي مجموعة متنوعة ومتجددة باستمرار نتيجة للتقدم في العلوم الطبية. كل فترة، يتم اكتشاف أنواع جديدة من الاضطرابات النفسية أو تحسين التشخيص لاضطرابات موجودة بالفعل. يُعزى هذا التوسع إلى التقدم في البحوث العلمية، والتطورات في فهم الدماغ، وكذلك بسبب تغيرات بيئية واجتماعية تؤثر على الصحة النفسية للأفراد.
2. أشهر الأمراض النفسية
على الرغم من وجود العديد من الأمراض النفسية، إلا أن بعض الاضطرابات تعد أكثر انتشارًا وشهرة نظرًا لشيوعها وتأثيرها الكبير على الأفراد والمجتمعات. فيما يلي نعرض أشهر الاضطرابات النفسية التي تمثل أكبر عبء صحي عالميًا:
2.1. الاكتئاب
الاكتئاب هو أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا حول العالم. يعاني المصابون به من مشاعر مستمرة من الحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها في السابق، كما يؤثر على نوعية الحياة بشكل كبير. يمكن أن يترتب على الاكتئاب العديد من الأعراض الجسدية، مثل فقدان الوزن أو زيادته، وصعوبة في النوم (World Health Organization, 2022).
تشير الدراسات إلى أن حوالي 280 مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب، مما يجعله واحدًا من أكثر أسباب العجز عالميًا (National Institute of Mental Health, 2023). وعلى الرغم من أن الاكتئاب يمكن أن يصيب الأشخاص في أي مرحلة من مراحل حياتهم، إلا أن بعض الفئات العمرية مثل المراهقين والبالغين الأكبر سنًا تعتبر أكثر عرضة له.
2.2. اضطرابات القلق
تشمل اضطرابات القلق مجموعة متنوعة من الحالات مثل اضطراب القلق العام، اضطراب الهلع، واضطراب القلق الاجتماعي. يعاني الأشخاص المصابون باضطرابات القلق من مشاعر خوف أو توتر مفرط وغير متناسب مع المواقف التي يواجهونها. تؤثر هذه الاضطرابات بشكل كبير على الحياة اليومية، حيث تجعل الأفراد غير قادرين على التعامل مع التحديات المعتادة مثل العمل أو الدراسة.
أظهرت التقارير أن حوالي 264 مليون شخص يعانون من اضطرابات القلق في جميع أنحاء العالم (WHO, 2021). يمكن أن تبدأ هذه الاضطرابات في مراحل مبكرة من الحياة، وغالبًا ما تستمر لسنوات إذا لم يتم علاجها بشكل مناسب.
2.3. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد التعرض لتجربة صادمة أو مخيفة، مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الحوادث. الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب غالبًا ما يعيشون التجربة الصادمة مرة أخرى من خلال الذكريات أو الكوابيس، مما يؤدي إلى قلق شديد وشعور بالخطر المستمر. تشير التقديرات إلى أن 7-8% من الأشخاص قد يعانون من هذا الاضطراب في مرحلة ما من حياتهم (APA, 2018).
2.4. الفصام (Schizophrenia)
الفصام هو اضطراب نفسي شديد يؤثر على قدرة الشخص على التفكير بوضوح والتواصل مع الآخرين. يتميز الفصام بأعراض مثل الهلوسات (سماع أو رؤية أشياء غير حقيقية)، والأوهام (اعتقاد بأشياء غير واقعية)، واضطرابات التفكير. على الرغم من أن الفصام ليس من الأمراض النفسية الشائعة بنفس مستوى الاكتئاب أو القلق، إلا أنه يعتبر من أخطر الاضطرابات النفسية نظرًا لتأثيره الكبير على حياة الشخص والمجتمع.
تقدر منظمة الصحة العالمية أن 1% من السكان حول العالم يعانون من الفصام، وهو ما يعادل حوالي 20 مليون شخص (WHO, 2022).
2.5. اضطرابات الأكل
تشمل اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والشره العصبي (Bulimia Nervosa)، وهي اضطرابات نفسية تؤثر على عادات الأكل وصورة الجسم. يعاني الأشخاص المصابون بهذه الاضطرابات من تشوه في إدراك وزنهم أو مظهرهم الجسدي، مما يؤدي إلى سلوكيات غذائية غير صحية قد تضر بالصحة العامة.
تؤثر اضطرابات الأكل على ما يقرب من 9% من السكان العالميين، وقد تكون مهددة للحياة إذا لم يتم علاجها بشكل مناسب (NIMH, 2023).
2.6. اضطراب الشخصية الحدية (BPD)
يتميز اضطراب الشخصية الحدية بتقلبات شديدة في المزاج، صعوبات في العلاقات الشخصية، وسلوكيات اندفاعية. الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يعانون من مشاعر متكررة من الفراغ والخوف من الهجر، مما يؤدي إلى سلوكيات غير مستقرة. يُعتقد أن هذا الاضطراب يؤثر على حوالي 1.6% من السكان، وغالبًا ما يتطلب علاجًا طويل الأمد (APA, 2013).
3. العوامل المسببة للأمراض النفسية
الأمراض النفسية لا تحدث نتيجة عامل واحد فقط، بل تنجم عن مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية. من بين هذه العوامل:
- العوامل البيولوجية: مثل الوراثة، التغيرات الكيميائية في الدماغ، واضطرابات الهرمونات. الأبحاث الحديثة أشارت إلى أن بعض الأمراض النفسية قد ترتبط بتغييرات في هيكل الدماغ ووظائفه (Harvard Medical School, 2022).
- العوامل البيئية: تتضمن الأحداث الصادمة مثل فقدان الأحباء، التعرض للإيذاء الجسدي أو العاطفي، أو العيش في بيئة مليئة بالتوترات.
- العوامل النفسية: مثل التفكير السلبي المزمن، ضعف المرونة النفسية، أو التعامل مع التحديات الحياتية بطرق غير صحية.
4. طرق العلاج
علاج الأمراض النفسية يعتمد على نوع الاضطراب وشدته. تشمل الطرق العلاجية:
- العلاج النفسي (Psychotherapy): يشمل تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يُعتبر من أكثر الطرق فعالية في معالجة الاضطرابات النفسية. يساعد هذا العلاج الأفراد على التعرف على أنماط التفكير السلبية وتغييرها بأفكار وسلوكيات أكثر إيجابية (Beck, 2011).
- العلاج الدوائي: في كثير من الحالات، قد يكون من الضروري استخدام الأدوية لتحقيق التوازن الكيميائي في الدماغ، مثل مضادات الاكتئاب ومضادات القلق (NIMH, 2023).
- الدعم المجتمعي: تلعب المجموعات العلاجية والدعم الاجتماعي دورًا كبيرًا في مساعدة الأفراد على تجاوز مشاكلهم النفسية.
5. أهمية التوعية بالصحة النفسية
التوعية بالصحة النفسية هي خطوة ضرورية لتقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية. عندما يفهم الناس أن الاضطرابات النفسية هي حالات طبية قابلة للعلاج، يصبحون أكثر استعدادًا لطلب المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم التوعية في تحسين جودة الحياة للأفراد المصابين وتحفيزهم على الاستمرار في العلاج. يجب أن نتذكر أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وأن الاهتمام بها يؤدي إلى حياة أكثر استقرارًا وسعادة.
الخاتمة
الأمراض النفسية متنوعة وتشمل مجموعة واسعة من الاضطرابات التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد. من خلال الفهم الجيد لهذه الأمراض وأشهرها، مثل الاكتئاب واضطرابات القلق والفصام، يمكن للأفراد والمجتمعات التعامل بشكل أفضل مع هذه التحديات. الأهم هو أن ندرك أن الصحة النفسية تتطلب اهتمامًا ورعاية مستمرة، وأن طلب المساعدة عند الحاجة ليس علامة على الضعف، بل خطوة هامة نحو الشفاء.
المراجع
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.
- Beck, A. T. (2011). Cognitive Therapy of Depression. Guilford Press.
- Harvard Medical School. (2022). Understanding mental health disorders: The brain and mental health.
- National Institute of Mental Health. (2023). Mental health statistics: Prevalence of mental illnesses.
- World Health Organization. (2021). Depression and Other Common Mental Disorders: Global Health Estimates. Geneva: WHO Press.